خطبة الجمعة القادمة 1 يوليو 2022م : أعمال وفضائل العشر الأُول من ذي الحجة ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 1 يوليو 2022م : أعمالُ وفضائلُ العشرِ الأُولِ مِن ذي الحجةِ ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ: 2 ذو الحجة 1443هـ – الموافق 1 يوليو 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 يوليو 2022م ، للدكتور محروس حفظي : أعمالُ وفضائلُ العشرِ الأُولِ مِن ذي الحجةِ.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 يوليو 2022م ، للدكتور محروس حفظي : أعمالُ وفضائلُ العشرِ الأُولِ مِن ذي الحجةِ ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 يوليو 2022م ، للدكتور محروس حفظي : أعمالُ وفضائلُ العشرِ الأُولِ مِن ذي الحجةِ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة: أعمالُ وفضائلُ العشرِ الأُولِ مِن ذي الحجةِ ، للدكتور محروس حفظي :
(1) فضلُ العشرِ الأُولِ مِن ذي الحجةِ.
(2) أهمُّ أعمالِ العشرِ الأُولِ مِن ذي الحجةِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة أعمالُ وفضائلُ العشرِ الأُولِ مِن ذي الحجةِ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِك، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمَّا بعدّ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
(1) فضلُ العشرِ الأُولِ مِن ذي الحجةِ:
لقد خصَّ اللهُ أمةَ سيدِ الأنامِ بمِنَحٍ وعطايا، وجعلَ لهم مِن مواسمِ الخيراتِ التي تُضاعَفُ فيها الأجورُ، وتحطُّ فيها الأوزارُ، ما يتنافسُ فيه المتنافسون، ويسعى إلى تحصيلِهِ العقلاءُ الأخيارُ، واللهُ جلَّ وعلا قد امْتنَّ بهذه المنةِ العظيمةِ كي يتعظَ العاقلُ، وينتبهَ الغافلُ قالَ ربُّنَا: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾، وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مَنْ رَحِمَتِهِ، يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ»
إنَّ أعمارَ هذه الأمةِ هي أقصرُ أعمارًا مِن الأممِ السابقةِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ، إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ»(الترمذي وحسنه وابن ماجه)، لكنَّ اللهَ بمنهِ وكرمهِ عوضهَا بأنْ جعلَ لها الأعمالَ الصالحةَ التي تُباركُ في عمرِهَا، فكأنَّ مِن عملِهَا رُزقَ عمرًا طويلًا، وفيما يلِي أوجزُ في عجالةٍ أهمَّ ما اشتملتْ عليه العشرُ الأولُ مِن ذي الحجةِ مِن فضائل:
*أنَّ اللهَ أقسمَ بها في كتابهِ العزيزِ: لقد وردتْ الإشارةُ إلى فضلِ هذه الأيامِ العشرِ في بعضِ آياتِ القرآنِ الكريمِ، منها قولُهُ تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾، بل أقسمَ اللهُ بها في سورةِ الفجرِ فقالَ: ﴿وَالفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْر﴾، والقسُم يقتضِي التفخيمَ والتعظيمَ، إذ العظيمُ لا يقسمُ إلَّا على عظيمٍ، وقد اختلفَ أهلُ العلمِ في معرفةِ الليالِي العشرِ فقيلَ: هي العشرُ الأواخرُ مِن رمضانَ، كما في روايةِ ابنِ عباسٍ، وقيلَ العشرُ الأولُ مِن المحرمِ كما في روايةٍ أُخرى عنه، وقيلَ هى العشرُ الأولُ مِن شهرِ ذي الحجةِ، وهو القولُ الراجحُ، إذ نهارُ العشرِ الأوائلِ مِن ذي الحجةِ تفضلُ نهارَ العشرِ الأواخرِ مِن رمضانَ، كما نصَّ عليه الإمامُ الطبري، وأكدَ ذلك ابنُ كثيرٍ في تفسيرهِ، وهو قولُ ابنِ عباسٍ وابنِ الزبيرِ ومُجاهدٍ وغيرِ واحدٍ مِن السلفِ والخلفِ.
*أنَّها مِن جملةِ الأربعين التي وعدَهَا اللهُ موسَى عليه السلامُ: قالَ تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ: (وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ مَا هِيَ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثِينَ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ وَالْعَشَرُ عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَمَسْرُوقٌ وابنُ جريجٍ وروي عن ابنِ عباسٍ وغيرهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ كَمُلَ الْمِيقَاتُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَحَصلَ فِيهِ التَّكْلِيمُ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِيهِ أَكْمَلَ اللَّهُ الدِّينَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أ.ه تفسير القرآن العظيم 3/ 421 .
ثم جاءتْ سنةُ الأمينِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتأكيدِ ما سبقَ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»
إنَّ هذه العشرَ فرصةٌ لتزكيةِ النفسِ وطهارتِهَا مِن الأمراضِ القلبيةِ المختلفةِ حتى تستقبلَ أنوارَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وفيوضاتِ الإلهِ؛ إذ التخليةُ قبلَ التحلِيةِ قالً تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾، فليحذرْ المسلمُ المعاصِي في هذه الأيامِ، فإنَّ إثمَهَا عندَ اللهِ أعظمُ، فإذا كانتْ الحسنةُ تَتَضَاعفُ في أيامِ الخيرِ، فكذا السيئةُ قالَ ربُّنَا: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾، ومن لم يعرفْ شرفَ زمانهِ فسيأتِي عليه وقتٌ يعرفُ ذلك، لكنْ بعدَ فواتِ الأوانِ، وفي وقتٍ لا ينفعُ فيهِ الندمُ ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ .
ومما ينبغِي التنبهُ لهُ شموليةَ العملِ الصالحِ المتقربِ بهِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ لكلِّ ما يُقصدُ بهِ وجه اللهِ وابتغاءَ مرضاتهِ في هذه العشرِ، سواءً أكانَ ذلك قولًا أم فعلًا، وهو ما يُشيرُ إليهِ قولُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلم: “العَمَلُ الصَّالِحُ”؛ ففي التعريفِ بألِ الجنسيةِ عموميةٌ وعدمُ تخصيصٍ وفي هذا تربيةٌ على الإكثارِ مِن الأعمالِ الصالحةِ، كما أنَّ فيه بُعدًا تربويًّا لا ينبغِي إغفالُهُ يتمثلُ في أنِّ تعددَ العباداتِ وتنوعَهَا يغذِّي جميعَ جوانبِ النموِّ “الجسميةِ والروحيةِ والعقليةِ …إلخ” وما يتبعُهَا مِن جوانبَ أُخرى عندَ المسلمِ، ألَا فليحرصْ العاقلُ ألًّا يفوتهُ أيَّ بابٍ مِن أبوابِ الخيرِ وحتى ولو كانً مَن حولَهُ يتغافلُ عنهُ فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ، كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» (مسلم)
* أنَّ اللهَ أكملَ فيها لنبيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمتهِ دينَهَا، ورضيهُ لعبادهِ: حيثُ أكملَ اللهُ فرائضَهُ، وأمرَهُ ونهيَهُ، وحلالَهُ وحرامَهُ، والأدلةَ التي نصبهَا على جميعِ ما بهِ الحاجةِ إليهِ مِن أمرِ دينِنَا، قالوا: وكان ذلك في يومِ عرفة في العامِ الذي حجَّ فيه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم حجةَ الوَدَاعِ، وقالوا: لم ينزلْ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم بعدَ هذه الآيةِ شيءٌ مِن الفرائضِ، ولا تحليلُ شيءٍ ولا تحريمُهُ، وأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم لم يعشْ بعدَ نزولِ هذه الآيةِ إلَّا إحدَى وثمانين ليلةً عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: «قَالَتِ الْيَهُودُ لِعُمَرَ: لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ يَهُود، نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً﴾ نَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ، لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: فَقَدْ عَلِمْتُ الْيَوْمَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ، وَالسَّاعَةَ، وَأَيْنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ، نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ» (متفق عليه) .
* أكثرُ ما يعتقُ اللهُ فيها مِن النارِ حيثُ فيها “يومُ عرفة”: الذي هو مِن أعظمِ أيامِ الدنيا؛ لأنَّهُ يومُ مغفرةِ الذنوبِ، والتجاوزِ عنها، ويومُ العتقِ مِن النارِ، ويومُ المُباهاةِ فعن عَائِشَةَ قالتْ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟» (مسلم) .
ويُستحبُّ في يومِ عرفة حفظُ الجوارحِ مِن المحرماتِ، وعدمُ الاسترسالِ في الموبقاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ فَجَعَلَ الْفَتَى يُلَاحِظُ النِّسَاءَ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ وَجَعَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَهُ بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ وَجَعَلَ الْفَتَى يُلَاحِظُ إِلَيْهِنَّ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْنَ أَخِي إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ غُفِرَ لَهُ» (أحمد، وسنده صحيح) .
كما يُستحبُّ الإكثارُ فيهِ مِن الدعاءِ وذكرِ اللهِ تعالى قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (الترمذي، وإسناده حسن) .
*أنَّ فيها “يومَ النحرِ”: وهو يومُ العاشرِ مِن ذي الحجةِ، وهو أعظمُ أيامِ الدُنيَا فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ» (أبو داود، وأحمد، وإسناده صحيح) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
(2) أهمُّ أعمالِ العشرِ الأُولِ مِن ذي الحجةِ:
إنَّ دينَنَا حرصَ على فتحِ بابِ التنافسِ في الطاعاتِ حتى يُقبِلَ كلُّ إنسانٍ على ما يستطيعُهُ مِن عملِ الخيرِ مِن حجٍّ وعمرةٍ، وصلاةٍ وصيامٍ، وصدقةٍ وذكرٍ ودعاءٍ …الخ، وفي ذلك توجيهٌ تربويٌّ لإطلاقِ استعداداتِ الفردِ وطاقاتهِ لبلوغِ غايةِ ما يصبُو إليهِ مِن الفوائدِ والمنافعِ والغاياتِ الأخرويةِ المتمثلةِ في الفوزِ بالجنةِ، والنجاةِ مِن النارِ، قال ابنُ حجرٍ: (وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ) أ.ه (فتح الباري 2/ 460) .
ومِن أعظمِ تلك الأعمالِ التي يتقربُ بها المسلمُ إلى ربِّهِ ما يلي:
*الصيامُ: يُستحبُّ صومُ التسعِ الأُوَلِ مِن ذي الحجةِ فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ:«رَجُلٌ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ غَضَبَهُ، قَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ اللهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، فَجَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُرَدِّدُ هَذَا الْكَلَامَ حَتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ… قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» (مسلم)، فانظرْ أخي الحبيب إلى سعةِ رحمةِ اللهِ، وفيضِ جودِهِ وكرمهِ، أنْ جعلَ صيامَ يومٍ واحدٍ سببًا لمغفرةِ ذنوبِ سنتينِ مِن الصغائرِ، أمَّا الكبائر فتحتاجُ إلى توبةٍ وندمٍ وعزمٍ على عدمِ العودةِ إليها أبدًا وإقلاعٍ عن المعصيةِ، وردِّ الحقوقِ إلى أصحابِهَا، والتحللِ مِمَن ظلمَهُ، فلا تحرمْ نفسَكَ مِن صيامِ يومِ عرفة لِمَا فيهِ مِن عظيمِ الأجرِ وجزيلِ المثوبةِ.
* الإكثارُ مِن ذكرِ اللهِ سبحانَهُ وتعالى ودعائهِ، وتلاوةِ القرآنِ الكريمِ: تحقيقًا لقولِهِ تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ وقولِهِ: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ﴾، فإذا أكثرَ المسلمُ مِن الذكرِ أنسَ بالذكرِ، واطمأنتْ نفسُهُ بهِ، وزادَ قربًا مِن ربِّهِ، وكان داعيًا لاعتيادِ الذكرِ، والإكثارِ منهُ بعدَ ذلك عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» (أحمد)، ولذا كان بعضُ الصحابةِ كابنِ عمرَ وابنِ عباسٍ وأبي هريرةَ وغيرِهِم يخرجُون إلى الأسواقِ في هذه الأيامِ العشرِ، فيُكبرونَ، ويُكبرُ الناسُ بتكبيرِهِم، كما يُستحبُّ الإكثارُ مِن الدعاءِ الصالحِ في هذه الأيامِ اغتنامًا لفضيلتِهَا، وطمعًا في تحققِ الإجابةِ فيها.
*التوبةُ والإنابةُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ: إذ إنَّ مِمَّا يُشرعُ في هذه الأيامِ المباركةِ أنْ يُسارعَ الإنسانُ إلى التوبةِ الصادقةِ، وطلبِ المغفرةِ مِن ربِّهِ، وأنْ يُقلعَ عن الذنوبِ والمعاصِي والآثامِ صغيرِهَا وكبيرِهَا، ويتوبَ إلى اللهِ تعالى منها طمعًا فيمَا عندَ اللهِ مِن الخيرِ، وتحقيقًا لقولِهِ تعالَى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، فعلى المسلمِ أنْ يحافظَ على الصلواتِ الخمسِ في المسجدِ، وأنْ يكثرَ مِن الصدقاتِ قولًا وفعلًا وسلوكًا، إذ هي أرجَى للقبولِ في تلك الأيامِ الفاضلةِ، وأفضلُ الصدقةِ كما بيَّنَ رسولُنَا – صلَّى اللهُ عليه وسلم- الصدقةُ على ذي الرحمِ الكاشحِ، يعنِي على ذي الرحمِ الذي يعاملُكَ معاملةً سيئةً ومع ذلك تتصدقُ عليه، والمحرومُ مَن ضيعَ هذه الفرصةَ، ومَن جَدَّ وجدَ، ويُسِّرَ لهُ سبلُ الخيرِ، فجاهدْ نفسَكَ في طاعةِ اللهِ قال تعالي: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾، قال ابنُ رجبٍ: (ما فُعِلَ في العشرِ في فرضٍ فهو أفضلُ مما فُعِلَ في عشرٍ غيرهِ مِن فرضٍ، فقد تَتَضَاعفُ صلواتُهُ المكتوبةُ، على صلواتِ عشرِ رمضانَ، وما فُعِلَ فيهِ مِن نفلٍ أفضلُ مِمَّا فُعِلَ في غيرهِ مِن نفلٍ) . أ.هـ .
*الكفُّ عن أخذِ شيءٍ مِن الشعرِ والأظافرِ: مَن أرادَ الأضحيةَ فليُمسِكْ عن الأخْذِ مِن شعْرِهِ وظُفْرِهِ وبَشَرَتِهِ، منذُ دخولِ العشْرِ إلى أنْ يذبحَ أُضحيتَهُ فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» (مسلم)، ولعلَّ الحكمةَ مِن ذلك أنْ يشاركَ الحجاجَ في بعضِ مناسكِهِم وأعمالِهِم؛ لئلَّا يغيبَ عن خاطرهِ عظمةُ تلك الأيامِ، وفضلُ ما يقعُ فيها مِن الأعمالِ، والأمرُ فيه سعةٌ وتيسيرٌ، ورحمةٌ لا تعسيرٌ.
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف